لكن وفيات الأمهات والأطفال الرضع لا تقتصر على الماضي ولا على الخيال، فأكثر من 30 ألف امرأة و400 ألف رضيع يموتون سنوياً من العدوى التي تحصل في وقت الولادة، ومعظم تلك الوفيات تحدث في البلدان محدودة الدخل، والوضع سيزداد سوءاً عندما تصبح المضادات الحيوية المخصصة لمعالجة العدوى أقل فعالية بسبب نشوء البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
طبقاً للتقديرات الحالية فإن أكثر من 200 ألف رضيع يموتون سنوياً من العدوى التي لا تتجاوب مع الأدوية المتوفرة والدراسات التي تستخدم البيانات من المستشفيات الأكبر- والتي يوجد فيها احتمالية أكبر لتطوير مقاومة تجاه المضادات الحيوية- تقدر أن حوالي 40% من العدوى لدى الرضع تقاوم العلاجات الاعتيادية.
إن الولادة تنطوي على المخاطرة فالرضع - وخاصة الأطفال الخدج - لا يوجد لديهم جهاز مناعي مكتمل، وعليه فهم أكثر عرضة للأمراض سواء من الجراثيم التي تحملها أمهاتهم بالفعل أو من العدوى التي يلتقطونها من المستشفى، علماً أنه من الطبيعي أن تزداد تلك الاحتمالية عندما تفتقد المنشآت الصحية لدورات المياه والمياه وغيرها من الظروف الصحية الأساسية .
كما عادة ما يكون عليه الحال في الدول محدودة الدخل وبينما أحرزت تلك الدول بعض التقدم من خلال مبادرات المياه ومنشآت الصرف الصحي النظيفة والتطعيم واستخدام المضادات الحيوية،إلا أن هذه المكتسبات ما تزال هشة.
إن وفيات الأمهات والرضع في الدول مرتفعة الدخل نادرة بفضل قرن من التحسن في مجال النظافة والتحكم بالعدوى، فعلى سبيل المثال عندما أصبح عقار السلفوناميدات المضاد للبكتيريا متوفراً بعد سنة 1934، كان بالإمكان معالجة العدوى بشكل سريع وسهل فوراً وانخفضت معدلات الوفاة بشكل كبير.
لكن فعالية المضادات الحيوية جعلت العديد من مقدمي الرعاية الصحية يقومون بوصفها بشكل يزيد عن الحد وأصبح الناس الآن يستخدمون تلك المضادات الحيوية في مرات لا يجب عليهم استخدامها مثلاً عندما يعانون من عدوى فيروسية مثل الإنفلونزا.
كما يتم تقديم المضادات الحيوية بشكل عشوائي للماشية والأسماك من أجل تعزيز إنتاج الطعام وطبقاً لبعض التقديرات فإن أقل من نصف المضادات الحيوية التي يتناولها البشر يحتاجونها بالفعل كما أن الاستخدام غير الضروري يزداد عند الحيوانات.
وكما نعلم الآن فإن هذه الحالة تؤذن بكارثة، فزيادة استخدام المضادات الحيوية تسرع من عملية قيام الميكروبات المعرضة ببناء مقاومة، والأسوأ من ذلك أن شركات أدوية قليلة جداً تقوم حالياً بتطوير مضادات حيوية جديدة لاستبدال تلك التي تخسر فعاليتها.
إن هذا يشير للطبيعة المزدوجة للمشكلة، فبينما يتم استخدام المضادات الحيوية بشكل يزيد عن الحد في بعض الأماكن فإنها غير متوفرة في أماكن أخرى فهناك أطفال أكثر يموتون في أفريقيا، بسبب عدم توفر المضادات الحيوية مقارنة بأولئك الذين يموتون من العدوى المقاومة للمضادات الحيوية وفي واقع الأمر فإن العديد يموتون من العدوى مثل الالتهاب الرئوي البكتيري والذي من المفترض أنه يعالج بسهولة.
إن إنقاذ حياة الأمهات والرضع سيتطلب منا معالجة مشكلة عدم توفر الأدوية من جانب، واستخدامها بشكل يزيد عن الحد من جانب آخر فببساطة أولئك الذين يحتاجون لمضادات حيوية تنقذ الحياة يجب أن يحصلوا عليها وأولئك الذين لا يحتاجونها يجب أن لا يحصلوا عليها.
إن الخطوة الأكثر أهمية هي وقف انتشار العدوى وذلك حتى لا يتم استخدام المضادات الحيوية في المقام الأول فيجب أن تتوفر في جميع منشآت الرعاية الصحية على أقل تقدير مياه نظيفة وخدمات صرف صحي، كما يتوجب على العاملين في مجال الرعاية الصحية اتباع الممارسات الجيدة المتعلقة بالنظافة مثل غسل الأيدي.
يجب على المنشآت الصحية تطبيق سياسات تتمثل في إرسال الأمهات والرضع لمنازلهم عاجلاً، وليس آجلاً من أجل تخفيض إمكانية التعرض للميكروبات المعدية وتثقيف الأمهات فيما يتعلق بأهمية الرضاعة الطبيعية في تقوية أنظمة المناعة لدى الرضع وأخيرا عندما يتم استخدام المضادات الحيوية يتوجب على مقدمي الرعاية الصحية أن يؤكدوا أن هناك حاجة حقيقية لها على أن يتم وصفها بجرعات مسؤولة.
لحسن الحظ فإن صناع السياسات حول العالم قد بدأوا في الاهتمام بتلك القضية، ففي سنة 2015 تبنت الجمعية العامة العالمية للصحة وهي الجهة التي تتخذ القرارات في منظمة الصحة العالمية خطة عمل دولية من أجل التعامل مع المقاومة تجاه الأدوية المضادة للميكروبات .
حيث تؤسس الخطة لإطار عمل من أجل زيادة الوعي بهذه المشكلة وجمع المزيد من البيانات وتطوير أدوية وأدوات تشخيصية جديدة وتشجيع الممارسات لتخفيض العدوى، وتحسين استخدام المضادات الحيوية والاستثمار في القدرات المتعلقة بالرعاية الصحية والصرف الصحي في البلدان.
سيتعامل قادة العالم مع مقاومة المضادات الحيوية في قمة الدول العشرين، التي ستعقد قريباً في الصين ومن ثم في اجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وهذا ما يجب أن يحدث لأنه لا يوجد حدود أو جدران يمكن أن تمنع انتشار البكتيريا المقاومة للأدوية، حيث إن وجود التزام حقيقي من جميع الحكومات ضروري وذلك من أجل التعامل مع مشكلة تهدد حياة وصحة الأمهات والرضع في جميع أرجاء العالم.
* مدير صحة الأمهات والرضع والأطفال والمراهقين في منظمة الصحة العالمية.
* مسؤول الصحة في اليونيسيف.
* جريدة البيان الاماراتية